قصيدة إبن الوردي- إعتزل ذكر الأغاني والغزل


إِعْتَزَل ذِكْر الِأَغَانِي وَالْغَزَل *** وَقُل الْفَصْل وَجَانِب مـن هَزَل
وَدَع الـذِّكـر لِأَيـام الْصِّبَا *** فـلِأَيـام الْصِّبـا نـجَم أَفـل
إِن أَهُنَا عَيـشَة قـضَيْتِهـا *** ذِهـبُت لَذَّاتُهـا وَالْإِثـم حـل
وَاتـرُك الْغَادَة لَا تَحْفَل بِهَا *** تـمْس فـي عِز رَفِيْع وَتُجَل
وَافْتَكَر فِي مُنْتَهَى حُسْن الْذَّي *** أَنـت تـهَوَاه تَجِد أَمـرَا جَلَل
وَاهْجُر الْخْمَرْة إِن كُنْت فَتَى *** كَيْف يَسْعَى فِي جُنُوْن مَن عَقَل
وَاتـق الْلَّه فَتـقُوَى الْلَّه مـا *** جَاوَرَت قُلْب امْرِيْء إِلَا وَصَل
لَيْس مـن يُقْطَع طُرُقَا بَطَلَا *** إِنـمَا مـن يـتَّقَي الْلَّه الْبَطـل
صَدِّق الْشَّرْع وَلَا تَرَكَن إِلَى *** رَجـل يـرَصَد فِي الْلَّيْل زُحَل
حَارَت الْأَفْكَار فِي حِكْمَة مَن *** قـد هـدَانـا سُبْلَنَا عَز وَجَل
كُتِب الْمَوْت عَلَى الْخَلْق فَكَم *** فـل مِن جَيْش وَأَفْنَى مِن دُوَل
أَيـن نُمـرُوْد وَكَنْعَان وَمَن *** مَلَك الْأَرْض وَوّلـى وَعـزَل
أَيـن عَاد أَيْن فِرْعَوْن وَمَن *** رَفـع الْأَهْرَام مـن يَسْمَع يَخَل
أَيْن مَن سَادُوْا وَشَادُوْا وَبَنَوْا *** هـلَك الْكُل وَلـم تـغَن الْقُلَل

أَيْن أَرْبَاب الْحِجَى أَهْل الْنُّهَى *** أَيـن أُهـل الْعِلْم وَالْقَوْم الْأَوَل
سَيـعَيـد الْلَّه كـلِا مِنـهُم *** وَسَيـجُزَي فـاعِلا مَا قَد فَعَل
إِي بُنَي اسْمَع وَصَايَا جَمَعَت *** حِكَمـا خُصَّت بِهـا خَيْر الْمِلَل
أُطْلَب الْعِلْم وَلَا تَكْسَل فَمـا *** أَبِعـد الْخَيِّر عَلَى أَّهـل الْكَسَل
وَاحْتَفـل لِلْفِقْه فِي الْدِّيْن وَلَا *** تـشْتُغّل عَنـه بـمَال وَخـوَل
وَاهـجَر الْنَّوْم وَحَصِّلْه فَمَن *** يَعْرِف الْمْطَلُوْب يـحُقِّر مَا بَذَل
لَا تـقُل قـد ذَهَبَت أَرْبَابُه *** كّل مَن سَار عَلَى الْدَّرْب وَصَل
فِي ازْدِيَاد الْعِلْم إِرْغَام الْعِدَى *** وَجَمَال الْعِلْم إِصـلَاح الْعَمـل
جَمِّل الْمَنْطِق بِالْنَّحْو فـمِن *** يـحَرَم الْإِعْرْاب بِالنُّطْق اخْتَبَل
انـظُم الْشِّعْر وَلَازِم مَذْهَبِي *** فـي اطَّرَاح الْرَّفْد لَا تَبْغ الْنَّحَل
فَهُو عُنْوَان عَلَى الْفَضْل وَمَا *** أَحْسَن الْشِعْر إِذَا لـم يـبِتـذَل
مَات أَهْل الْفَضْل لَم يَبْق سِوَى*** مُقْرِف أَو مَن عَلَى الْأَصْل اتَّكِل
أَنـا لَا أَخـتَار تـقُبَيْل يَد *** قـطَعَهَا أَجْمَل مـن تِلْك الْقُبُل
إِن جَزَتْنِي عَن مَدِيْحِي صِرْت *** فِي رِقِّهَا أَو لَا فَيَكْفِيْنِي الْخـجَل
أُعـذَّب الْأَلْفَاظ قَوْلِي لَك خُذ *** وَأَمـر الْلَّفْظ نُطـقِي بَلّعـل
مُّلْك كِسْرَى عَنْه تُغْنِي كِسْرَة *** وَعـن الْبَحْر اجْتِزَاء بِالْوَشَل
اعـتِبْر (نَحْن قَسَمْنَا بَيْنَهُم ) *** تـلْقُه حَقّا ( وَبِالْحـق نـزِل)
لَيْس مَا يَحَوُي الْفَتَى مِن *** عَزْمِه لَا وَلَا مَا فَات يَوْمـا بِالَّكْسَل
اطـرَّح الْدُّنْيَا فَمَن عَادْاتهِا *** تُخَفِّض الْعَالِي وَتُعْلِي مَن سَفَل
عَيْشَة الْرَّاغِب فِي تَحْصِيْلِهَا *** عَيْشـة الْجَاهـل فِيْهـا أَو أَقْل
كـم جَهُوْل بَات فِيْهَا مُكْثِرِا *** وَعَلَيـم بَات مِنْهـا فـي عِلَل
كَم شُجَاع لَم يَنَل فِيْهَا الْمُنَى *** وَجَبـان نـال غَايَات الْأَمَل
فَاتـرَك الْحِيْلَة فِيْهَا وَاتَّكِل *** إِنـمَا الْحِيْلَة فـي تَرْك الْحِيَل
أَي كَف لَم تَنَل مِنْهَا الْمُنَى *** فَرْمـاهـا الْلَّه مِنـه بـالْشَّلَل
لَا تَقُل أَصْلِي وَفَصْلِي أَبَدا *** إِنَّمَا أَصْل الْفَتَى مَا قـد حَصَل
قَد يَسُوْد الْمَرْء مِن دُوْن أُب *** وَبِحُسْن الْسَّبْك قَد يُنَقَّى الْدَّغّل
إِنـمَا الْوِرْد مِن الْشَّوْك وَمَا *** يَنـبُت الْنَّرْجِس إِلَا مِن بَصَل
غـيَر أَنِّي أَحْمـد الّلَه عَلَى *** نُسِبـي إِذ بـأَبِي بَكْر اتَّصَل
قِيَمـة الْإِنْسَان مـا يُحْسِنُه *** أَكْثـر الْإِنْسـان مِنـه أَم أَقَل
أُكـتَم الْأَمْرَيْن فَقْرَا وَغِنَى *** وَاكْسَب الْفَلْس وَحَاسِب وَمَن بَطَل
وَادَّرَع جَدَّا وَكَدَا وَاجْتَنِب *** صُحْبَة الْحَمْقَى وَأَرِبـاب الـخَلَل
بـيُن تُبـذيّر وَبُخْل رُتْبَة *** وَكـلَا هـذِيـن إِن زَاد قَتـل
لَا تَخُض فِي حـق سَادَات *** مَضَوْا إِنـهُم لَيْسُوْا بـأَهْل لِلْزَّلَل
وَتَغَاضَى عـن أُمُوْر إِنـه *** لـم يـفُز بِالَّحْمَد إِلَا مَن غَفَل
لَيْس يَخَلُو الْمْرَء مِن ضَد *** وَلَو حَاوَل الْعُزْلَة فِي رَاس الْجَبَل
مِل عَن الْنَمَّام وَازْجُرُه فَمَا *** بَلَّغ الْمـكُرُوه إِلَا مـن نَقـل
دَار جَار الْسُّوْء بِالْصَّبْر وَإِن *** لـم تَجِد صَبَرَا فَمَا أَحْلَى الْنُّقَل
جَانِب الْسُّلْطَان وَاحْذَر بَطْشَه *** لَا تـعـانِد مَن إِذَا قـال فَعَل
لَا تَل الْأَحَكـام إِن هُم سَأَلْوا *** رُغـبَة فِيْك وَخَالِف مَن عَذَل
إِن نِصْف الْنَّاس أَعَدَّاء لِمَن *** وَلـي الْأَحْكَام هَذْا إِن عَدَل
فَهُو كَالْمَحَبُوس عَن لَذَّاتـه *** وَكِلَا كَفَّيْه فـي الْحَشْر تُغَل
إِن لِلِنَقْص وَالاسَتْثِقال فـي *** لَفْظَة الْقَاضِي لَوَعِظَا أَو مَثَل
لَا تُوَازِى لَذَّة الْحُكْم بـمَا ذَاقَه *** الْشَّخْص إِذْا الْشَّخْص انْعَزْل
فَالْوِلايَات وَإِن طَابَت لِمَن *** ذَاقـهَا فَالَّسُّم فـي ذَاك الْعَسَل
نَصَّب الْمَنْصِب أَوَّهـى جَلَدَي *** وَعَنَائـي مِن مُدَارَاة الْسَّفَل
قَصِّر الَآمـال فـي الْدُّنْيَا تَفُز *** فَدُلِّيـل الْعَقْل تَقْصِيْر الْأَمَل
إِن مَن يُطـلُبُّه الْمـوَت عَلَى *** غـرَّة مِنـه جَدِيْر بِالْوَجـل
غِب وَزُر غِبَّا تَزِد حُبَّا فَمـن *** أَكْثـر الْتَّرْدَاد أَقـصَاه الْمَلَل
لَا يَضـر الْفَضْل إِقْلَال كَمَا *** لَا يَضُر الْشَّمْس إِطْبَاق الْطَّفَل
خُذ بِنَصْل الْسَّيْف وَاتْرُك غِمَدَه *** وَاعْتَبِر فَضْل الْفَتَى دُوْن الْحُلُل
.........................................................................
فَبِمُكْث الْمَاء يـبَقِى آَسِنـا *** وَسـرَى الْبَدْر بِه الْبَدْر اكْتَمَل
أَيـهَا الْعَائِب قـوَلِي عَبَثَا *** إِن طَيـب الـوَرْد مُؤْذ لِلْجُعَل
عد عَن أَسْهُم قَوْلِي وَاسْتَتِر *** لَا يُصَّيـبَنَّك سَهـم مـن ثُعَل
لَا يـغُرَّنّك لَيِّن مـن فَتَى *** إِن لِلْحَيـات لَيِّنـا يـعَتـزِل
أَنَا مِثـل الْمَاء سَهِل سَائِغ *** وَمُتـى أسِخـن آَذَى وَقَتـل
أَنَا كَالْخَيْزُوْر صَعْب كَسُّرُه *** وَهُو لَدْن كَيَّف مَا شِئْت انْفَتَل
غَيْر أَنِّي فِي زَمَان مَن يَكُن *** فِيْه ذَا مَال هُو الْمَوْلَى الْأَجَل
وَاجِب عِنْد الْوَرَى إِكْرَامُه *** وَقَلِيـل الَمـال فِيْهِم يُسْتَقَل
كَل أَهْل الْعَصْر غَمْر وَأَنَا *** مِنْهـم، فَاتْرُك تَفَاصِيْل الْجُمَل
وَصـلاة الْلَّه رَبـي كُلَّمَا *** طَلـع الْشَّمْس نَّهـارّا وَأُفـل
لِلَّذِي حَاز الْعُلَى مِن هَاشِم *** أَحَمَد الْمُخْتَار مِن سـاد الْأَوَّل
وَعَلَى آَل وَصَحْب سـادَة *** لَيْس فِيـهُم عَاجِز إِلَا بَطـل

Tidak ada komentar:

Posting Komentar